المشاورات العامة ودورها في التقييم المجتمعي للقوانين

بقلم
2922

تلعب عملية المشاورات العامة دورا بارزاً وهاماً في عملية صناعة وبناء النص التشريعي لما لهذه العملية من أهمية كبيرة في بناء لغة مشتركة بين صانع وصائغ النص من جهة، وبين المجتمع الذي صدرت به هذه التشريعات من جهة أخرى، فكما نعلم ان أي نص تشريعي حتى يكتب له الحياة يجب أن يولد من رحم المجتمع الذي يعيش فيه، وإلا ولد مشوها غير قابل للحياة والتطبيق على أرض الواقع بل أكثر من ذلك يعيش في حالة غربة دائمة، بمعزل عن المجتمع.

 

الواقع الفلسطيني:

والملاحظ للتجربة الفلسطينية في صناعة النص التشريعي والعملية التشريعية برمتها، يجد وعلى الرغم من حداثة التجربة الفلسطينية في هذا المجال، ان عملية التشاور على النص التشريعي كانت مغيبة بشكل تام ويشوبها الكثير من القصور والتشويه على الرغم من التقدم الحاصل في الفترة الأخيرة رغم تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني بعد العام 2007، وظهور مكونات وأجسام جديدة لها صلة مباشرة في عملية صناعة النص التشريعي، دون المساس بالاختصاص الأصيل للمجلس التشريعي في مجال التشريع.

ولعل من اهم أسباب الغربة الحاصلة بين النص التشريعي لدى ولادته والمجتمع الذي يطبق فيه وهنا نتحدث عن المجتمع الفلسطيني، وجود قصور وضعف في عملية المشاورات العامة منذ لحظة ولادة فكرة او مقترح التشريع، وإن وجدت هذه المشاورات قد تكون إما شكلية أو لا تتم ضمن منهجية دقيقة وواضحة وموحدة في المنظومة القانونية الفلسطينية، أو قد يكون السبب عدم إشراك كافة مكونات أفراد المجتمع والمتأثرين بالتشريع بشكل مباشر، بالتالي نصل إلى المثل اليوناني القديم الذي يقول" كلما زادت القوانين غير المطبقة للدولة، زادها الفساد فساداً".

تجارب الدول الأخرى:

وتولي الدول وفي مقدمتها الدول الاوروبية ومن خلال منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديةOECD” أهمية كبيرة لعملية المشاورات العامة في جميع مراحل العملية التشريعية من لحظة ولادة فكرة التشريع وصناعة السياسات التشريعية الخاصة به حتى خروجه إلى حيز الوجود، بما يؤدي ويضمن مساهمة المجتمع والفاعلين الرئيسيين في عملية بناء النص التشريعي والتأثير على السياسات التشريعية الخاصة به وبما ينسجم مع السياسات العامة للدولة، وقد أولت هذه المنظمة الاهتمام لهذا الموضوع من خلال إصدار الادلة التدريبية التي تعالج منهجية وآليات تنفيذ المشاورات العامة داخل المجتمع على تشريع معين.

وتحتاج عملية المشاورات العامة إلى جهد كبير وعملية مأسسة على الصعيد الفلسطيني، بل أكثر من ذلك قد نكون بحاجة إلى عملية ملزمة في عملية المشاورات العامة على غرار بعض الدول في هذا المجال، وبما يؤدي بشكل مباشر إلى إشراك كافة مكونات الشعب، ولعل وجود خطة تشريعية للحكومة الفلسطينية، تعتبر بداية الطريق في هذا المجال، بما تقره من آليات وأدوات للمشاورات العامة في هذا المجال، والتي تحتاج في جزء منها إلى عملية ممنهجة وممأسسة وفقا لأفضل الممارسات على الصعيد الدولي.

التطلعات المستقبلية:

ولعل الجهود التي تقوم بها المؤسسات الرسمية في هذا المجال بالتعاون مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية “OECD” خير مثال على وجود توجهات بتبني نهج واضح في هذا المجال، لا أن تبقى هذه الجهود حبرا على ورق أو رثة في الأدراج او حبيسة لمشروع او تمويل معين من هنا او هناك، بل نحن بحاجة إلى عملية كاملة وضمن فرق وطنية تؤدي هذا الغرض، فهي أقدر على صياغة وصناعة السياسات الخاصة بهذا الوطن على إمتداده، حتى نبتعد عن القوانين المصلحية أو ما يسمى بمصطلح "ترزية القوانين" أو بمعنى آخر "تفصيل القوانين" على مقاسات محددة، بالتالي العمل على خلق جسور ثقة بين الشعب من جهة والحكومة وممثلي الشعب من جهة أخرى، بما يؤدي إلى خلق لغة مشتركة بين الطرفين تسهم في تعزيز مشاركة المجتمع الفلسطيني في عمليات صنع القرار بمختلف مستوياتها التنظيمية، وعدم اقتصار عملية صنع القرار أو صنع السياسة في صالونات مغلقة.

 

 

باحث قانوني في معهد الحقوق- جامعة بيرزيت منذ العام 2006، ومدير وحدة المساندة التشريعية منذ العام 2012، حاصل على درجة الماجستير في القانون الخاص في مجال الملكية الفكرية، ومحاضر غير متفرع في كلية الحقوق والإدارة العامة- جامعة بيرزيت منذ العام 2012، مسؤول عن عدد من البرامج والمشاريع التي تهدف إلى تطوير العملية التشريعية والصياغة التشريعية وتوحيد مناهجها السليمة في المعهد.
خبير في مجال الصياغة التشريعية الجيدة والشؤون البرلمانية، وهو عضو ومستشار في العديد من اللجان التشريعية الحكومية، ساهم في عدد من الدراسات ذات العلاقة بالعملية التشريعية والقانون والاقتصاد والقانون والسياسة والحقوق والحريات العامة، والحكم الرشيد وحرية الوصول للمعلومات وحرية الرأي والتعبير، ساهم وشارك في مراجعة وصياغة العديد من التشريعات الفلسطينية.

تعليقات

  • لا يوجد أي تعليقات حتى الآن. كن أول من يرسل تعليق

اضف تعليق

زائر الأحد, 22 كانون1/ديسمبر 2024