HOME blog IoL User التطليق للعجز عن دفع النفقة من منظور النوع الاجتماعي - بقلم: لونا سعادة

التطليق للعجز عن دفع النفقة من منظور النوع الاجتماعي - بقلم: لونا سعادة

by
6286

يتناول هذا المقال مفهوم نفقة الزوجة من منظور النوع الاجتماعي، ومن ثم يتم التعليق ومناقشة حكم قضائي صادر عن محكمة الاستئناف الشرعية / القدس واقتراح التعديلات المناسبة لضمان وحماية حقوق المرأة في المجتمع.

تعتبر قضية النفقة من القضايا الجوهرية التي تؤثر على مكانة وتمكين المرأة في المجتمع العربي وخاصة الفلسطيني، الذي يفتقر إلى مقومات الأمان الاقتصادي للفرد مثل توفر الضمان والتأمين الاجتماعي.  ونتيجة لمكانة المرأة المهمشة في المجتمعات العربية  ومنها المجتمع الفلسطيني، واعتبارها مواطنة منقوصة الأهلية، الوضع الذي عززته الوضعية القانونية والتشريعات السائدة، تشكل النفقة عنصرا أساسيا في توفير الدعم والآمان الاقتصادي  للمرأة. وعلى الرغم من الإشكاليات الحقوقية في مفهوم النفقة  وخاصة نفقة الزوجة، إلا أنها في  الوضع الاقتصادي والسياسي السائد في فلسطين وفي ظل غياب أية بدائل أخرى، تعتبر قضية هامة تساعد النساء على توفير بعض من حقوقهن الأساسية، في ظل العمل على وضع أنظمة وتعديلات قانونية تلزم حصول النساء على حقها بالنفقة.   

تعتبر نفقة الزوجة واجبة على الزوج، وذلك انطلاقا من تقسيم الأدوار بين الأفراد في الأسرة وفي المجتمع، التي تتحدد بناءا على الأنماط الثقافية الأبوية السائدة، والتي تتحدد بناءا عليها من يملك القرار والسلطة سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع أو الدولة. إن التوجه السائد والمقبول اجتماعيًا يعزز التقسيم بين الإطار الخاص ( الأسرة) والعام ( الحياة العامة ). ويصبح الخاص هو الدور الإنجابي للنساء، واعتباره عملا غير منتج، لعدم ارتباطه بالقيمة المادية، خلافًا للعمل الإنتاجي والمرتبط بعمل الرجل والذي يقاس  بالأجر والدخل المادي الذي يوفره الرجل لأسرته. من هنا جاء مفهوم نفقة الزوجة، باعتبارها مواطنة تحتاج إلى حماية الرجل وتشكل جزءًا من أملاكه، توجب عليه توفير المتطلبات من مأكل، ملبس، ومسكن.

تفترض نفقة الزوجة أن على  المرأة طاعة زوجها، واحترام إرادته، و الطاعة تفترض وجود علاقات سلطة تتطلب وجود رئيس ومرؤوس، وبهذه الصورة يرى الرجل نفسه، في وضعية رئيس العائلة، وإليه ترجع كامل المسؤولية العائلية، وعلى المرأة أن تستجيب إلى أوامره.

تناولت العديد من الكاتبات الحقوقيات في مجال حقوق المرأة، أمثال نوال السعداوي و فريدة بناني،  و حفيظة شقير، مفهوم النفقة بالاستناد إلى تحليل الأدوار الاجتماعية وكيفية تحديدها بناءا على من يمتلك السلطة والسيطرة على الموارد. وعلى الرغم من التوجهات المختلفة فيما بينهن ما بين التوفيقي والراديكالي، إلا أنهن اجمعن على أن مفهوم النفقة كما هو مطروحا في قانون الأحوال الشخصية ، يعزز من تبعية المرأة للرجل وتبقيها ضمن سيطرته. وهنا كانت الحلول المقترحة، إما توفيقية مثل بناني، بحيث يتم التعامل مع مفهوم النفقة ضمن الواقع المعاش ولكن العمل على إجراء التعديلات القانونية الضرورية لحفظ حقوق المرأة ، ومنها من طالب بإلغاء النفقة، وإخراجها من الإطار الخاص إلى الإطار العام، لتصبح قضية سياسات عامة يجب على الحكومة العمل على توفيرها لجميع المواطنين دون تمييز على أساس النوع الاجتماعي آو غيره، من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية لجميع أفراد المجتمع.

في الواقع الفلسطيني، وخلال العمل الطويل للمؤسسات النسوية في العمل على قانون الأحوال الشخصية، اعتمدت هذه المؤسسات على الطروحات الفكرية النسوية ، التي دعت إلى أهمية النفقة في إطار مفاهيمي مختلف. وهي أن تكون ملزمة على الطرفين في الأسرة (الزوجين)، استنادًا على الوضع الاقتصادي للطرفين، وهذا يجب أن لا يتم بمعزل عن الملكية المتساوية للطرفين في الأموال المشتركة عند قيام الزوجية. كما الدعوة إلى المساواة التامة في عملية الإرث، وهنا تصبح النفقة بالتساوي بين الطرفين وملزمة.

من هنا كان التوجه من قبل المؤسسات النسوية في المجتمع الفلسطيني، الدعوة إلى ضرورة إنشاء صندوق النفقة الفلسطيني، على أن يتم تطويره مستقبلاً ليصبح صندوق الضمان الاجتماعي. ومن جانب أخر، العمل على توفير التأمين الاجتماعي لجميع أفراد المجتمع، للعمل على توفير الحق الاقتصادي للنساء، ومساعدتهن على تمكين ذاتهن، في واقع تسوده عدم المساواة في الحقوق الاقتصادية. وفي هذه العملية التطويرية لمفهوم النفقة، تنتقل النفقة من وضع التوسل والتنازل من قبل الزوجة، لتصبح حق من حقوقهن وواجب من قبل الدولة توفيره لمواطنيها. وهنا عملية مطالبة النساء بحقوقهن غير مرهونة بوضع ومزاجية الزوج لدفع النفقة، كما هو سائد حاليا، وإنما تتجه عملية المسائلة إلى الدولة ومدى التزامها بحقوق الإنسان التي تعتبر معيارًا أساسيًا معتمدًا وملزمًا، في سن التشريعات الضرورية والمبنية على حقوق الإنسان دون تمييز.

في ظل الطرح أعلاه، فان عملية تحصيل الأموال من الزوج وإلزامه بدفع ما يتوجب عليه، تعتبر قضية عامة من مسؤولية الأجهزة التنفيذية في الدولة، ولا تجبر النساء التنازل عن حقوقهن مقابل مبلغ زهيد من المال، قد تحصله من الزوج.

قراءة في حكم محكمة الاستئناف الشرعية / القدس رقم 176 / 2010

عند قراءة  قرار محكمة الاستئناف الشرعية / القدس الصادر بتاريخ 27 رجب 1431 الموافق 4 تموز 2010 ميلادي والمنشور على موقع المقتفي التابع لمعهد الحقوق في جامعة بيرزيت، يتبين للوهلة الأولى حصول الزوجة على حقها ومعاقبة الزوج للتقصير، ولكن عند التمعن وتحليل القضية من منظور حقوقي نسوي، يمكن حصر الإشكالية في القرار بالاتي :

1. الحكم بطلقة أولى لحين دفع الزوج المستحقات خلال فترة زمنية لا تتعدى ثلاثة أشهر، مع حق الزوج بإرجاع الزوجة إذا دفع ما عليه خلال الفترة الزمنية المحددة.  يعتبر هذا القرار، خرقا واضحا لحقوق المرأة، حيث تم التعامل معها، إنسانا تابعا ومنقوص الأهلية ولا تملك أي حق في تقرير مصيرها. وتبين  ملفات المؤسسات النسوية التي تتعامل مع هذه القضايا، مثل مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، وجمعية المرأة العاملة للتنمية وغيرها، أن الزوج بالأغلب يترجم هذا القرار إلى عقوبة على الزوجة، بحيث يقوم بتسديد المبلغ قبل انتهاء الفترة الزمنية بأيام ، ومن ثم يقوم بإرجاع الزوجة إلى بيت الزوجية دون رضاها.  هنا  حق المرأة بتقرير مصيرها قد تم مصادرته وعدم الأخذ به سواء بقرار المحكمة او بقرار الزوج، الذي استند به على قرار المحكمة, وتصبح  حياة النساء عرضة للمساومة . ففي حالة رفض المرأة الرجوع إلى بيت الزوجية تعتبر ناشزا وهنا يسقط حقها في النفقة كما هو منصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية ، أو انها تلجأ الى الحصول على الطلاق مقابل الإبراء العام - التنازل عن حقوقها كاملة - وتصبح عملية الطلاق ورقة مساومة يستغلها الزوج، خاصة وان قضية الإبراء لا تتم إلا بموافقة الزوج على الطلاق ، والتي في أغلب الحالات، تستغرق فترة زمنية غير محددة.  وفي هذه الحالة، تضطر المتوجهة إلى التنازل عن كامل حقوقها بما فيها النفقة مقابل الحصول على الطلاق. وهذا الوضع هو عنفًا مباشرًا يمارس على النساء.

وفي هذا القرار، يفتح مجالاً للتساؤل حول :  ما الضمان لعدم تكرار الزوج إهماله للإنفاق على زوجته؟ هل سيتم اعتماد سياسة التطليق لعدم النفقة؟ 

2. إن لجوء المرأة للمحكمة للحصول على النفقة، تعتبر انتهاكًا لخصوصية الأسرة والتي تشدد عليها التقاليد والعادات المتبعة في المجتمع، وهذا يعرض النساء إلى المسائلة من قبل ليس فقط الزوج وإنما أسرته، وأحيانا أخرى أسرتها أيضا. إن رجوع الزوجة إلى بيت الزوجية في حال دفع المستحقات من قبل الزوج، يعرضها إلى العنف الأسري كعقاب للجوء ها إلى القضاء. 

3. الإشكالية الثالثة في القرار هو قيمة النفقة . ما هي المعايير والظروف التي يتم اعتمادها في قضية تحديد النفقة؟ على الرغم من أن تحديد قيمة النفقة، تعتبر قضية أخرى ، تتطلب فتح طلب آخر لتحديد القيمة. ولكن من الأهمية الإشارة إلى الفجوة في عملية تحديد قيمة النفقة، وهو عدم الأخذ بعين الاعتبار الضرر النفسي والاقتصادي في الفترة الزمنية التي سبقت رفع طلب التطليق بسبب عدم الإنفاق . أضف إلى ذلك فترة الاستئناف. الإشكالية في نفقة الزوجة أنها لا تتم بأثر رجعي وإنما حال تقديم طلب رسمي  إلى المحكمة ، ويتم مطالبة الزوج من لحظة تقديم الطلب إلى المحكمة. وهذه معضلة أخرى للنساء اللواتي لم يعتدن اللجوء إلى المحاكم، على اعتبارها قضايا خاصة ضمن الأسرة .  من جهة أخرى عدم معرفة النساء بحقوقهن في طلب النفقة والإجراءات اللازمة، تجعلهن عرضة للعيش في ظروف قاسية  لفترة زمنية لحين تقديم الطلب. وهنا تخسر المرأة حقها قبل الفترة الزمنية للطلب. 

4. إن التوجه القانوني للنفقة،  يهمش مساهمة عمل المرأة الإنجابي في تراكم رأسمال الأسرة ومساهمتها في استمرارية الأسرة وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، الذي تلجا النساء فيه  إلى زيادة في عبئ العمل الإنجابي أو اللجوء إلى العمل غير الرسمي مثل خدمة المنازل، أو الإنتاج المنزلي، ... وغيره. ولذا فان تحديد قيمة النفقة يجب إن يرتبط بالدور الذي تقوم به النساء من خلال جميع أدوارها سواء الإنجابي أو الإنتاجي. 

5. من المعضلات الأساسية التي تواجهها النساء في حقها بالنفقة، قضية السكن. ان المتعارف عليه  هو تسجيل الممتلكات باسم الرجل، وفي حالات النزاع والطلاق تجرد النساء من الملكية، وتصبح عرضة لانتهاك حقوقها من قبل الجميع بما فيها أسرتها، التي قد ترفض استقبالها مع أولادها. وهنا تواجه النساء إشكالية أخرى وهي تنازل المرأة عن حضانة أولادها ، وقبولها لشروط الأهل . أضف إلى ذلك رفض المجتمع لها كمطلقة مما يساهم في عزلها عن الحياة العامة وتصبح أسيرة في منزل أسرتها. 

6. تقرير المخبرين اللذين يتم اعتماد شهادتهم في تقدير الوضع المادي للزوج من قبل المحكمة، غير مشار لها في القرار ولم تحدد هويتهم. وعلى الرغم من تحديد معايير اللجنة على أن يكونوا على معرفة بوضع الزوج المادي، إلا أنهم في كثير من الأحيان وبناءا على ملفات المؤسسات النسوية، تكون شهادتهم لصالح الزوج ، وهذا ما أشارت إليه المؤسسات النسوية العاملة بحقوق المرأة. وفي اغلب الأحيان لا تعرف النساء عن هذه اللجنة ، ولا يتم مقابلة النساء للأخذ بشهادتهن بداعي الموضوعية، على الرغم من اعتباره عنصرا أساسيا في قضية النفقة. 

7. ينتقص القرار الإشارة إلى الواقع الاجتماعي – الاقتصادي للزوجة والذي يحدد قيمة الضرر النفسي والمادي بسبب عدم إنفاق الزوج، والتي بناء عليها تتحدد قيمة النفقة.

8. من الضرورة إرفاق قضية تحديد قيمة النفقة مع قضية التطليق لعدم دفع النفقة، كونها قضية واحدة وليست مجزأة وهذا يعتبر لصالح النساء.

 

التوصيات 

1. تنظيم الطلاق من خلال المحكمة لكلا الطرفين ( الزوج والزوجة) دون تقييد الحق للزوجة بحالات وشروط معينة تتطلب منها وقتا وجهدا لإثباتها.

2. يجب أن تتضمن النفقة الضرر الناتج عن عملية النزاع.  

3. وضع معايير واضحة لموظفين رسميين لقضية جمع المعلومات وتحديد دخل الزوجين وأملاكهم.

4. يجب أن يتضمن القرار موجزا عن شهادة المخبرين والوضع الاجتماعي والاقتصادي لكلا الطرفين.

5. تحديد فترة زمنية لإنهاء دفع النفقة للزوجة تتيح للزوجة الوقت اللازم لإعالة ذاتها ، على أن يتم تحديد مبلغ من النفقة خاص بتعلم الزوجة مهنة معينة تمكنها من العيش بكرامة. 

6. إرفاق قضية تحديد النفقة مع قضية التطليق ، على اعتبارها قضية واحدة شاملة ، يجب العمل على تناولها كقضية واحدة. وتحديد حد أدنى للنفقة بما يوفر العيش الملائم للنساء. 

7. العمل على تعديل قانون الأحوال الشخصية بحيث يتم تبني تقاسم الأموال المشتركة عند قيام الزوجية، ومن ثم ربطها بالنفقة.

 

 

 * لونا سعادة، باحثة وناشطة في حقوق المرأة.

المراجع:

1. شقير. حفيظة . دراسة مقارنة للقوانين الخاصة بالمرأة والأسرة في المغرب العربي: تونس والمغرب والجزائر. انظر، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=22036

2. الحمدوني ، الحبيب. شقير، حفيظة. بناني، فريدة. حقوق الإنسان للنساء بين الاعتراف الدولي وتحفظات الدول العربية .  2008

3. Joseph، Suad. With a forward by Deniz Kandiyoti. (2000). Gender and Citizenship in the Middle East.  Syracuse University Press.

4. Kabeer. Naela. (1994).Reversesd Realities. Gender Hierarchies in Development Thought.Verso- Reprinted 2001, 2003.

5. Agarwal، Bina. (1997). “ ’Bargaining’ and Gender Relations: Within and Beyond the Household”   in Feminist Economics v.3 (1).

 

IoL User has not set their biography yet

Comments

  • No comments made yet. Be the first to submit a comment

Leave your comment

Guest Sunday, 22 December 2024